عام كامل منذ توفي حسام عاشته حسناء وحيدة ..
كم كان هذا العام حزينا ..
كم كان صعبا ..
وكم كان شائقا ..
كم كان ممتعا ..
ذلك الصباح .. جلست حسناء في مدرج كليتها تنتظر وصول الأستاذ ..
كانت تجلس بقرب احدى النوافذ ..
وقد سقطت عليها أشعة الشمس الدافئة لتزيدها تألقا على تألقها ..
أغمضت حسناء عينيها وسبحت بعيدا ..
دائما ترحل بعيدا عن حاضرها كلما تسنى لها ..
تذكرت يوم مات حسام ..
ولحظة أن علمت الخبر ..
تذكرت حلم الحقيقة ..
ابتلعت ريقها في صمت ..
مذاق الحلم مازال في فمها ..
فتحت حقيبتها وأخرجت مرآتها لتصلح من شكلها ..
نظرت الى نفسها وابتسمت ..
مازالت تذكر ذلك اليوم الذي وضعت فيه تلك القماشة على شعرها وغطته ..
كم كان ذلك اليوم سعيدا .. لا كما تخيلته ..
شعرها الطويل الناعم .. آن لها أن تغطيه ..
شعرها الذي لطالما تلألأ مع أشعة الشمس ..
وانساب مع النسيم ..
شعرها الذي طالما .. لمسه حسام ..
آن له الآن أن يصان ..
لن يستطيع أحد أن يلمسه بعد الآن ..
أن يراه حتى ..
ماذا استفادت هي من رؤية الناس شعرها الا الندم .. والسخط ..
سيظل شعرها طاهرا بعد الان ..
خاصة .. بعدما رحل حسام..
أطرقت حسناء في أسى وهي تتذكر ..
لكم عانت خلال هذه السنة لتتخلص من ذكرى حسام ..
كم عانت لتنسى همسه ..
وضحكه ..
وابتسامته ..
وحتى وجهه ..
كم عانت لتنزع كل ما يذكرها به من حياتها ..
ليس لأنها أضحت تكرهه ..
بل لأنها تحبه ..
ولذلك فقد نفذت وصيته بإخلاص ..
[/size]
فووووووقي يا حسناء .. فوووووووقي .. [size="4"]
نعم لقد نفذت قوله ..
ونجحت ..
نجحت الا من شيئين ..
خاتم حسام ..
وشئ آخر ..
نظرت الى يدها اليمنى حيث مازال خاتم حسام يخبو نائما ..
لم تستطع انتزاعه ..
كم حاولت ..
وكم بكت دموعا دامية لتنزعه ..
لم تقدر ..
لكنها ستفعل ...
تعرف ذلك جيدا ..
ايمانها يزداد قوة يوما بعد يوم ..
وحبها لربها بدأ يطغى على كل حب آخر بداخلها ..
كم علمت حسناء في هذه السنة الكثير ..
كم بحار أبحرت فيها ..
كم كتابا قرأته ..
وكم قصة أبهرتها ..
كم قرأت .. وكم عرفت ..
وكم تعجبت ..
كيف كانت تعيش بهذا الجهل ..
كيف كانت جاهلة وسعيدة في ذات الوقت ..
كانت تقرأ في أكثر جوانب الحياة ..
لكن أكثر جانب كان يشد انتباهها ويجذبها ..
جانب الحب ..
لكم كانت تتساؤل ..
أكان الناس في قديم الزمان يحبون حقا ؟؟
وهم ملتزمون ؟؟
كيف ؟؟
وجدت العديد من القصص التي أعطتها اجابتها على سؤالها ..
لكن أكثر ما أبهرها ..
أكثر ما فتنها ..
كانت قصة موسى عليه السلام ..
حين هرب من فرعون ووصل الى قرية صغيرة ..
فوجد منظرا استرعى انتباهه ..
كانت هناك بئر واحدة تتوسط القرية ..
وجد موسى رجال القرية وقد اجتمعوا على البئر جميعا ..
كلٌّ يريد أن يسقى أغنامه ..
ثم أبعد نظره قليلا ..
فرأى فتاتين ..
تقفان غير قريب من البئر ..
وحولهما أغنام كثيرة ..
كلما اندفعت باتجاه البئر ..
أبعدتاها الفتاتين وهشت بها لتعود ..
تعجب موسى عليه السلام من ذلك ..
لماذا تحرمان الأغنام من الماء ..
وبفطرته .. ذهب اليهما غير متردد ..
وسألهما : ما خطبكما ..
فكان جوابهما انهما لا يستطيعان أن يسقيا أغنامهما وسط كل هؤلاء الرجال ..
حينها .. كان تصرف موسى بسيطا للغاية ..
أخذ أغنامهما وذهب الى البئر ..
زاحم الرجال .. وسقى الأغنام عنهما ..
ثم عاد لهما بالأغنام قد شبعت...
ودون حتى أن يرفع بصره الى واحدة منهما ..
دون أن ينظر ..
دون أن يتكلم ..
دون أن يمزح معهما ..
فعل ما فعل ثم ذهب مسرعا الى شجرة واستظل بها ..
لكم تعجبت حسناء حين كانت تقرأ قصته مع الفتاتين ..
لكم تعجبت من اقتضاب الحديث بينهم ..
لكم تعجبت من موسى ..
ذلك الشاب القوي ..
لم يحاول حتى أن يفتح حديثا مع احداهما ..
لكم تعجبت من هرولته الى الظل حين أنهى مهمته ..
ولكم تعجبت من مروئته ..
أيمكن حقا أن يفعل الشاب هذا ولا يقصد سوئا ..
أحقا يمكن أن يساعد فتاة دون أن ينوي شيئا آخر ..
ويدلل على نيته تلك بفعله ..
ثم .. أليس موسى ببشر ..
ألم يدر في خلده أي شئ ..
ألم يشعر بشئ ؟؟
انه أولا وأخيرا .. شاب قوي في مقتبل عمره
والفتاتان .. ألم تشعرا بشئ هما أيضا ؟؟
لكنها – حسناء – حين أكملت القصة عرفت انهم بشر حقا ..
وانهم يقع في قلوبهم ما يقع في قلوبنا ..
لكن الفرق .. أنهم كانوا أناسا طاهرون ..
كانوا شبابا .. يحبون الله حقا ..
ماحدث أن موسى وقع في قلبه شئ من احداهما ..
وما حدث .. أن احدى الفتاتين وقع في قلبها شئ أيضا ..
لكنهما كان مثالا للحياء ..
فلم يتكلم أحدهما ..
الا انها لم تستطع الا أن تخبر أباها بطريقة غير مباشرة أبدا ..
حين عادا بيتهما قصتا ما حدث على أبيهما ..
حينها مالت عليه تلك التي اختلج فؤادها ..
وقالت له : يا أبت ما رأيك أن تستأجره ليعمل عندك ..
انه قوي يا أبي ..
قوي .. وأمين
وصفته بالأمين لأنها لاحظت ..
لم يرفع بصره اليها أبدا ..
حقا يالها من أمانة ..
كلمتان همست بهما في أذن والدها ..
لكنه كان نبيا .. حكيما ..
ففهم ماحدث ..
فهم حياءها .. وحيائه ..
وفورا عرض عليه أن يزوجه ابنته تلك التي حدثته بشرط أن يعمل عنده لبضع سنوات ..
ووافق موسى ..
فهو يريدها أيضا ..
وعمل ..
وتزوجا ..
لكم حلمت حسناء بموسى ..
أصبح هو فارس أحلامها حقا ..
شاب قوي .. وأمين ..
وتذكرت حسام ..
كان قويا ..
لكن أمينا ؟؟
أطرقت في أسى ..
أين أنت يا موسى ..
هل مازلت موجودا في عالمنا هذا ؟؟
أين أنت ؟؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] في ذات اليوم ..
خرجت بعد انتهاء محاضرتها مع صديقاتها يتجولان في أنحاء الكلية ..
كانت حسناء قد عرفت في دفعتها خاصة .. وفي كليتها بشكل عام ..
عقل كبير .. وثقافة تزداد يوما بعد يوم .. والتزام ...
ومشاركة فعالة في الأنشطة ..
وجمال ..
أثناء تجوالهم .. مروا على مبرد مياه ..
كانت حرارة الجو تجفف الحلق ..
قالت احداهم ..
- أنا معايا ازازة ممكن نملاها مية .. بس ..
ونظرت الى المبرد في ضيق ..
كان الشباب قد اجتمعوا عليه من كل جانب ..
يتزاحمون ليشربوا ..
مستحيل أن يدخولوا وسط هذا الجيش الذكوري ..
نظرت حسناء الى المنظر وابتسمت ..
بم يذكرها ياترى ؟؟
التفت حولها في ظرف وهي تبتسم ..
أين أنت يا موسى لتأتي الينا تسقي عنا ؟؟
كانت تتساؤل بذلك .. حين رأته ..
خفتت ابتسامتها حتى اختفت وهي تراه آتيا من بعد ..
ممشوق القوام كان ..
تبدو قوته من طريقة سيره نفسها ..
كان من الواضح انه رأى المشهد من بعيد .. ففهم ما يحدث ..
حين اقترب منهم .. أنزل عينيه أرضا ..
-
بعد اذنك .. وأخذ الزجاجة من يد صاحبتها ..
وكلهن صامتون ينظرون ..
ذهب الى المبرد ..
زاحم الشباب بقوة ..
وملأ الزجاجة سريعا ..
ثم عاد ..
ذهب حيث حسناء واقفة ..
وأعطاها الزجاجة ..
-
اتفضلي .. ودون كلمة أخرى ..
ابتعد عنهم ..
بطريقة هي أقرب الى الهرولة ..
كان قويا ..
وأمينا ..
حسناء لم تستطع اسكات خفات قلبها المتزايدة ..
وخانها بصرها أكثر من مرة لكنها جاهدت نفسها في حزم ..
وأخفضت عينينها عنه ..
لكنها لمحته يتجه الى احدى حدائق الكلية ..
ينتقي شجرة ضخمة ظلالها وارفة ..
ويجلس تحتها ..
وازداد خفقان قلب حسناء ..
موسى قد عاد ..
انتبهت على ضحك صديقتها بجانبها ..
-
ايه مالكوا ؟؟ - مافكركيش ده بحاجة ؟؟
-
فكرني بإيه يعني .. - { فسقى لهما .. ثم تولى الى الظل }
قرأت لها احداهم الاية التي تشير الى فعل موسى عليه السلام مع الفتاتين ..
ياالهي حتى صديقاتها انتبهوا ..
اتجهوا الى قاعة المحاضرات ..
فموعد المحاضرة قد حان ..
لكن حسناء تمنت في قرارة نفسها ..
تمنت أن تعرف شئ عنه ..
تعرف اسمه على الأقل ..
حين قاربت على الابتعاد ..
لمحت احدى الشباب يأتيه حيث جلس تحت الشجرة ..
يسلم عليه بحرارة ..
ويهتف بصوت عالٍ ..
- ايه يا
أحمد !!.. فينك من زمااان يا راجل ..