تركيا.. التصويت على تعديلات دستورية يضع جماهيرية أردوجان في اختبار حقيقي

يذهب الشعب التركي إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد للتصويت على تعديلات دستورية – 26 مادة على الإجمال من الدستور الذي وضعه الانقلابيين سنة قبل نحو ثلاثين سنة - اقترحتها حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة رجب طيب أردوجان، الذي طالب الأتراك بعدم الانشغال بعيد الفطر عن التصويت على التعديلات.

ورزمة التعديلات الدستورية التي نجح الحزب الحاكم في التصويت عليها من داخل البرلمان، تتعلق معظمها بالجسم القضائي جاءت بأغلبية تتراوح بين 331 و340 صوتا، وهي نسبة تتيح الذهاب إلى استفتاء شعبي بعد مصادقة الرئيس عبد الله جول عليها.

وتهدف حزمة الإصلاحات الدستورية إلى تغيير طريقة تعيين قضاة المؤسسات القضائية العليا بما فيها المحكمة الدستورية التي تعد سيفا مسلطا على رقبة الأحزاب السياسية، وكذلك جعل حظر الأحزاب أكثر صعوبة، كما تشمل أيضا إصلاحات دستورية عدة لالتزام معايير الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحقوق الشخصية وحماية الأطفال والحقوق النقابية.

وتعمل التعديلات أيضا على تقليص صلاحيات المحاكم العسكرية، حيث تقر التعديلات إخضاع العسكريين للمحاكمة أمام المحاكم المدنية في التهم الجنائية، ويسعى حزي العدالة والتنمية إلى إلغاء مادة مؤقتة في الدستور تمنع محاكمة أي من المشاركين في انقلاب 1980، وهو الأمر الذي يشكك فيه حقوقيين حيث يرى هؤلاء استحالة ملاحقة المشاركين في الانقلاب قضائياً بعد 30 سنة.

ويؤكد رئيس الوزراء رجب طيب أردوجان أن هذه التعديلات "جاءت نزولا عند رغبة الشعب" الذي يريد تغيير الدستور الحالي الذي أقره الجيش سنة 1982 بعد انقلابه على الحكومة المدنية سنة 1980.

ويتهم المعارضون للتعديلات الدستورية حكومة حزب العدالة والتنمية باتخاذ معايير أوروبية كحجة لتمرير الإصلاحات، ويطالب الاتحاد الأوربي بتغيير أو تعديل الدستور الحالي من أجل تسريع مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد، ويخشى المعارضون من تغلغل أنصار الحزب الحاكم ذو الخلفية الإسلامية في مؤسسات القضاء التي يسيطر عليها العلمانيون.

ويقول هنري باركي خبير الشؤون التركية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي "مما لا شك فيه انه كان لأردوجان بصمة في تركيا بينما لم يترك أي من سابقيه مثلها، حيث أدخل تغييرات مهمة بجمعه بين التقوى والدولة وهو مستعد للخروج في أحيان عن المألوف".

وفجرت التعديلات هذه جدلا كبيراً بين حزب العدالة المسيطر وصاحب الأغلبية البرلمانية والحكومة من ناحية، وبين القوى العلمانية التقليدية الأخرى والمشكلة من مؤسسات الجيش والقضاء والتعليم العالي من ناحية أخرى.

ويرى مراقبون وخبراء في الشئون التركية أن التعديلات تشكل قضية حساسة ومصيرية لكلا الطرفين حيث أنها تتعلق بنظرتين مختلفتين للدولة والمجتمع والدين وآلية إدارة البلاد وخياراتها السياسية.

ويرغب أردوجان من وراء التعديلات تعزيز فرص الانضمام إلى العضوية الأوروبية عبر تحقيق معايير كوبنهاجن، وهو ما تباركه بعض الدول الأوربية من خلف الستار، وأيضا التطلع إلى ترتيب البيت التركي من الداخل في إطار مسيرة الإصلاح السياسي الذي يسعى الحزب إليها منذ توليه السلطة سنة 2002.

وتعتقد القوى المعارضة أن حزب العدالة والتنمية يريد من ورائها بسط هيمنته على مؤسسات القضاء وتحقيق انقلاب مدني ضد الهيكل القضائي تمهيدا لتحقيق المزيد من أسلمة الدولة والمجتمع، كما ترى أن عملية التعديل أعدت بطريقة بعيدة عن التوافق السياسي.

ويرى مراقبون أن عملية تعديل الدستور وضعت حزب العدالة في اختبار حقيقي، فإما النجاح في تحقيق الثورة الدستورية التي يرغب من ورائها الإصلاح والتغيير مستنداً على الشعبية الجارفة التي يتمتع بها الحزب وقائده رئيس الحكومة أردوجان التي جعلته في واجهة المسرح السياسي التركي.. وإما الإخفاق في إنجاز تلك التعديلات وهو ما يهدد مسيرة الإصلاحات التي يقودها الحزب في ضوء التغيرات والتحولات التي تشهدها تركيا في السنوات الأخيرة.